وصلتنى رسالة من سمر ابنة شهيد الفكر فرج فودة، وهى تتولى الآن الملف الإعلامى للهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، تقول سمر فى رسالتها المؤثرة:

أبى الحبيب..

طالما قلت لنفسى وأنا صغيرة من شدة خوفى عليك «لماذا أنا لست ابنة رجل عادى لكى نعيش حياة هادئة آمنة؟»، وكنت أكره أن أشعر بالاختلاف عن بقية زملائى فى المدرسة، ولكنى الآن طالما أقول لنفسى لماذا ليس كل الناس أبناء رجل مثل «فرج فودة»؟

لطالما كنت أتهمك فى قرارة نفسى بأنك تحب مصر أكثر من أبنائك ولكنى الآن قد فهمت معنى أن تسمو بحب مصر فوق كل الأحبة وحتى نفسك.

ما زلت أذكر عندما كنت أقول لك من شدة خوفى عليك كفى يا أبى، لن تفعل لمصر أكثر مما فعلت فنحن نحتاج إليك، ما زلت أذكر عندما كنت تقول لى إنك تعلم أن نهايتك سوف تكون على يد هؤلاء القتلة الإرهابيين، ما زلت أذكر عندما كنت تقول لى أن ما تفعله من أجل مصر سوف يكتب فى التاريخ، ما زلت أذكر عندما كنت تحارب ضد الفتن الطائفية وتدافع عن حقوق الأقليات وعن إخواننا المسيحيين، ما زلت أذكر عندما كنت تقول لى دائماً «انت اللى طلعالى فى ولادى»..

ما زلت أذكر عندما كنت تختار لى الكتب من مكتبتك لأقرأها، لأنى أحب القراءة مثلك..

ما زلت أذكر عندما انتابنى الذعر الشديد من مكالمات التهديد بقتلك وسألتك حين ذاك بكل عفوية وبراءة «إذا قتلوك من سوف يربينا؟» فقلت لى «سوف تجدين كثيرا من الآباء حولك»، وجدت بالفعل ولكن لا أحد فى الوجود يعوضنى عنك، لا سامحهم الله مَن حرمونا منك..

أنظر حولى فلا أجد سمر فرج فودة غيرى والكل يعمل على شاكلة أبيه، اطمئن فلك ابنة لا تخاف إلا الله ولا تخشى فى الحق لومة لائم، ابنة أراد الله لها أن تمتهن المهنة نفسها رغم كرهها الشديد لها لأنها سبب موتك، اطمئن فلن ينال أحد من مصرنا الحبيبة، الحرة الأبية، المدنية.

أبى الغالى.. مصر الآن تمر بوقت عصيب، فنحن فى عصر الضحالة الفكرية، عصر اختلطت فيه الأمور وأصبح الحق باطلا والباطل حقاً، عصر ندرة القادة السياسيين، أصبح المصريون يلتفون حول السفهاء والقتلة، عصر الجهل المقدس الذى لا يؤمن بالعقل والتنوير، عصر فيه السفهاء زعماء والأشرار أخيار، نحن الآن وبعد مرور ٢٠ عاما على فقدك أصبحنا فى أمس الحاجة إليك، فقد كنت سابقاً لعصرك، كنت مصباح التنوير الذى ينير العقول المظلمة، اطمئن واسترح فى قبرك يا أبى، فكرك وقلمك سيبقى إلى الأبد، فكم من الناس يموت كل يوم ولا نذكر لهم شيئا، أما أنت فمن الخالدين.

وأخيرا وليس آخراً كانت جدتى رحمها الله تقول بالعامية «الميت يدرى (يدرا) قبل الحى».. أتمنى من كل قلبى أن تكون الآن كما قالت، تدرى ما أرسلت لك من كلمات بالرغم من أنها لا تستطيع أن تعبر عما أشعر به نحوك من حب.. أفتقدك كل يوم أكثر من الذى قبلة.. فخورة بك وباسمى الملتصق باسمك إلى يوم الدين».